الحقوقية ليزا البدوي لـ"جسور بوست": معاناة النساء اليمنيات تتزايد يومياً مع استمرار الحرب
انتهاكات الطفولة تتواصل.. والمستقبل أشد قتامة
تعيش المرأة اليمنية داخل وضع مأساوي في ظل الحرب المستمرة والصراعات الدموية، في الوقت الذي تتعرض فيه البلاد إلى انهيار شبه كامل على كافة الأصعدة، فالنساء في اليمن يعانين بشكل مضاعف بسبب الأوضاع الإنسانية القاسية، حيث يتعرضن للانتهاكات السياسية والاجتماعية، ويواجهن تحديات يومية تتعلق بالحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية.
وفي حوار مع «جسور بوست»، استعرضت الحقوقية والخبيرة القانونية اليمنية، ليزا البدوي، الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مناطق النزاع، لا سيما في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي، حيث تشهد النساء العديد من الأشكال القمعية مثل الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والاغتصاب في بعض الحالات.
وأشارت إلى العوائق التي تواجه النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني، حيث فرضت قيوداً اجتماعية وقانونية تحول دون تمكينهن من أداء دورهن الحيوي في الإغاثة والتنمية، ما يزيد من معاناتهن في ظل بيئةٍ تفتقر إلى الدعم المؤسسي.
وفيما يتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية، أكدت البدوي أن الحرب قد دمرت البنية التحتية للبلاد، بما في ذلك قطاع الصحة والتعليم، ما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة بشكل كارثي، كما انتقدت بشدة أداء الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مشيرةً إلى أن المساعدات الدولية لا تكاد تلامس جوهر المشكلة، بل تتعرض لتسييس واضح يتجاهل الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب اليمني، خاصة النساء والأطفال.
وإلى نص الحوار..
كيف تصفين وضع المرأة اليمنية اليوم في ظل استمرار الحرب والصراعات السياسية؟
وضع المرأة اليمنية سيئ ويزداد سوءاً مع الوقت في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وكذلك أيضا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية في ظل غياب تفهم احتياجاتها، والدليل على ذلك ما يُعرف بـ«ثورة النسوان» في عدن، حيث تخرج المظاهرات بشكل أسبوعي للمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية للأبناء والخدمات الصحية.
الوضع في اليمن منهار، وواردات الدولة معطلة بسبب هجمات الحوثي على أي عمليات تصدير للنفط أو الغاز، وليس هناك إحساس بالمسؤولية من أي حكومة تجاه الناس، وهذا هو الوضع سواء في عدن أو صنعاء.
والأداء الحكومي اليمني سواء في مناطق الشرعية أو المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي لم يرقَ لمستوى يلبي احتياجات الناس وتلبية مطالب النساء اللائي يخرجن في احتجاجات أسبوعية لما يقارب ستة أشهر، وفي بعض الأوقات تواجه النساء المحتجات بعنف من قبل بعض عناصر الشرطة، فضلاً عن مسألة طلب تصريح التظاهر وهو أمر ليس سهلاً، في الوقت الذي تمنع فيه السلطات في مناطق سيطرة الحوثي أي مظاهر تجمعات أو مظاهرات لا تدعو هي لها.
وما أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مناطق النزاع؟
الانتهاكات المرتكبة بسبب الصراع لها جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية، والحراك بـ«ثورة النسوان» في العاصمة عدن يقول إن المرأة هي الضحية الأولى لهذا الصراع بسبب حماقات جماعة الحوثي؛ التي تطلق المسيرات والصواريخ على إسرائيل، فترد عليها بقوة ينتج عنها إصابات ووفيات.
لدينا نحو 4 ملايين نازح داخل اليمن بسبب هذا الصراع، ومعظم البؤر التي يتمركز فيها النازحون لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة والكرامة الإنسانية، في خيام فاضحة لا تستر الموجودين داخلها، ولا تتوفر الرعاية الصحية في هذه التجمعات. وأكثر حركات النزوح من المناطق باتجاه عدن ومأرب وتعز، ثم يعاني هؤلاء هجرة أخرى، فمأرب تتحول إلى منطقة صراع من وقت لآخر.
ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن تبعات الحرب أكثر كارثية بالنسبة للنساء اللواتي يفقدن العائل؛ لأن كثيرًا من الرجال انخرطوا في جبهات القتال، وهناك الكثير من النساء اللواتي لا يستطعن الإيفاء بمتطلبات الحياة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وانعدام الخدمات.
وماذا عن النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني؟
استهداف النساء العاملات في المجتمع المدني سواء مع المنظمات المحلية أو الدولية أصبح ظاهرة منتشرة في اليمن، رغم أننا كمجتمع مدني نحاول تعويض الفشل الحكومي عبر توفير الخدمات للناس، ونعمل على الوفاء باحتياجات المواطنين، من إغاثة ومساعدات وحماية المرأة وصولًا للتنمية.
بدأت القيود تُفرض على النساء العاملات في المجتمع المدني، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين باشتراط وجود «محرم» يرافقها في تحركاتها، وهذا ما تسبب في فقدان الكثير من النساء لعملهن ومراكزهن الوظيفية، بخلاف التنمر الرقمي والشائعات والتحريض العلني وخطاب الكراهية الذي يستهدف النساء العاملات في المجتمع المدني.
وكنا في شبكة التضامن النسوي، وهي شبكة تضم ما يقارب من 300 إمرة قيادية من المجتمع المدني والنسوي والأحزاب والحركات السياسية والقطاع الخاص والحكومة وغيرها، قد واجهنا بشدة بعض الممارسات غير القانونية تجاه النساء وحققنا بعض النجاحات، مثل الغاء اشتراط المحرم في حصول النساء على الوثائق الثبوتية أو جواز السفر، وخاصة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ومثلت ثقافة احتقار النساء في بعض المجتمعات المحلية حافزًا للحوثي على اعتقال الكثير من النساء وإخفائهن قسريًا وأهلهن لا يعرفون مكانهن، ومن المتوقع جدًا أن يتعرضن للتعذيب أو الاعتداء الجنسي والعنف البدني داخل مقرات الاحتجاز.
وهل رصدتم حالات اغتصاب موثقة في هذه المقار؟
هناك تعتيم كبير على هذا الموضوع، واستطعنا توثيق عدد من الحالات، لكن هناك مشكلة كبيرة تواجهنا في توثيق جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء في مقار الاحتجاز، هذه المشكلة متعلقة بمفاهيم مجتمعية مثل العيب أو عدم البوح عن الجرائم الجنسية التي تتعرض خشية أن تتحول إلى وصمة للناجية، حتى بعد إطلاق سراحها.
وهل يتم إشراك المرأة في المشهد السياسي اليمني؟
لا، مع الأسف حتى حكومة الشرعية في عدن، لن تجد فيها وزيرة واحدة، وهو أمر غريب يوحي بإقصاء النساء من المناصب العليا، وفي المقابل نرى تمثيلًا نسائيًا في مجلس الشورى التابع لجماعة الحوثي في صنعاء، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا ليس تمكينًا حقيقيًا لكل النساء، لأن المعيار هنا يشترط أن تكون من السلالة الحاكمة التي تدعي نسبها إلى آل البيت. كما أن السيدات في سلطة الحوثي يستخدمن سلطتهن في قمع النساء الأخريات.
ولدى مبادرة مسار السلام، وهي منظمة نسوية، برامج نسوية تهدف لرفع قدرات العديد من النساء مثل برامج الادماج والتمكين والحماية والقيادة المعرفية النسوية، وهي تمارس مع شبكة التضامن النسوي ضغوطاً على مراكز القرار لإشراك النساء في المراكز القيادية، وبالرغم من التحديات التي تواجه ذلك إلا أننا حققنا بعض النجاحات، مثل إصدار الرئيس قرارًا بتعيين امرأة في مجلس القضاء الأعلى.
كيف أثّرت الهجمات والضربات في البنية التحتية في اليمن؟
اليمن أصبح سجنًا كبيرًا لأهله، ونعاني مشكلة كبيرة فيما يتعلق بحرية التنقل، وكلنا رأينا الطائرات التي احترقت في مطار صنعاء، والتي كان يستخدمها طلاب العلم والمرضى الذين يسافرون للخارج، وفي المقابل يتمتع الحوثيون بحرية الحركة والسفر إلى أي مكان يريدونه.
والمحزن في الأمر أن هذه الطائرات هي مقدرات الشعب اليمني وملكه، وبعد الحرب سنحتاج سنوات طويلة لإعادة بناء البلد، ناهيك عن البشر الذين لا يُقدرون بثمن.
وكيف يمكن استغلال الحرب الإقليمية على أنها مسوِّغ للانتهاكات والتصعيد داخل اليمن؟
إذا رأيت الصراعات تندلع، فابحث عن المستفيدين الذين يحققون مصالح ومنافع شخصية من استمرار النزاع، وانظر إلى المتضرر الأول في كل هذه المعارك العبثية وهو المواطن المسكين.
نعيش منذ ما يزيد على 10 سنوات في حرب، ورأينا كيف حققت شخصيات قريبة من السلطة في صنعاء ثروات كبيرة جدًا، والفجوة الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة بين المواطن البسيط الذي لا يُسمع صوته بالاتجاه إلى الحوار ووقف الحرب والعمليات العسكرية التي تسبب ضررًا كبيرًا للمدنيين.
وبقياس الأثر فيما يخص ادعاءات الحوثيين بإسناد المقاومة الفلسطينية، سنجد العدو الصهيوني يرد على صواريخ الحوثيين باستمرار الإبادة الجماعية في غزة، واستهداف المدنيين في اليمن، وسط ازدواجية معايير العالم الذي يعرف أن هذه الجماعة امتداد لمشروع إيران في المنطقة، لكنهم لم يحركوا ساكنًا إلا حين باتت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر تهدد الاقتصاد العالمي.
وكيف تصفين وضع الطفولة في اليمن حالياً؟ وما أخطر الانتهاكات التي تطول الأطفال؟
وضع الطفولة في اليمن بائس، والتجنيد الإجباري للأطفال واستخدام الكثير منهم كمقاتلين أو استخدامهم في خدمة المقاتلين، ونقل المعلومات ممارسات تنتهك الطفولة، ورصدنا حالات استغلال جنسي للأطفال المنخرطين في القتال، كما ينتج عن ذلك التسرب من التعليم.
كما يمثل زواج القاصرات كارثة أخرى وانتهاكًا جسيمًا لحقوق الفتيات، ولا يقتصر على تزويجهن في الداخل اليمني، ولكن أيضًا إلى الخارج، عبر التلاعب في الأوراق الرسمية التي تحدد السن الحقيقي للطفلة.
وما حجم الخطر الذي يشكله التجنيد الإجباري للأطفال على مستقبل اليمن؟
تجنيد الأطفال في اليمن يُعد جريمة من أكبر الجرائم التي تُرتكب بحق الطفولة، والكثير منهم يُستخدمون دروعاً بشرية، وله أثار سلبية متعددة ليس على الأطفال فحسب، بل أيضاً على المجتمع، فبالإضافة إلى حرمان الأطفال من التعليم وتأثرهم نفسياً وجسدياً بسبب ذلك، هناك أيضاً تأثير باختلال التوازن المجتمعي، ويُشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل اليمن، ويؤدي إلى انتشار العنف والجريمة وتشكيل عصابات مسلحة.
ما أبرز التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في ظل الحرب والحصار؟
القطاع الصحي كان من الممكن أن يصير بخير إذا استمر الدعم الدولي الموجه لتوفير الأدوية واللقاحات اللازمة، لكن مع استمرار الصراع وتردي الأوضاع كلما تدهور مستوى الخدمات من مياه وكهرباء تتدهور قدرة القطاع الصحي على التعامل مع الأمراض والأوبئة.
وقد أدى هذا التدهور لانتشار أمراض مثل الكوليرا والملاريا التي اختفت من العالم ولم تظهر منذ سنوات طويلة إلا في اليمن، خصوصًا في الصيف، وفي بلدنا يمكن أن يموت الناس لمجرد إصابتهم بمرض مثل الحمى وارتفاع درجات الحرارة.
وما تقييمك لواقع الصحة النفسية لليمنيين، خاصة الأطفال والنساء في ظل الوضع الراهن؟
الوضع الحالي أدى لارتفاع حالات الانتحار، والمؤلم أنه أخيرًا تمت مشاركة مقاطع فيديو لآباء ينتحرون ويقتلون أبناءهم، أحيانًا لا يكون الجوع وحده الذي يدفع الناس للانتحار، لكن اليأس وامتهان الكرامة الإنسانية يصيب الإنسان بشلل في التفكير والتدبير.
ورصدنا ارتفاعًا في حالات العنف الأسري الذي يفاقم عنف الحرب وقسوتها. إن الذي يجعل اليمنيين أكثر قدرة على الصمود هو فكرة الإيمان بالله، وفكرة أن يكون هناك مخرج من كوارث اليمن وكل المنطقة.
ويمكنني القول إن الأمور تزداد سوءًا على الأقليات في اليمن، والفئات الهشة مثل الأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال والنساء.
كيف تقيِّمين أداء الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في التعامل مع الأزمة اليمنية؟
المجتمع الدولي والأمم المتحدة ينظرون للأزمة في اليمن على أنها أزمة جوع واحتياج للغذاء والدواء، وليس وقف الصراع ووقف التدخلات الخارجية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات. هذه الجهات لم تتعامل مع حقيقة الوضع في اليمن، ولم تتحرك إلا بعد استشعار خطورة سلطات الحوثي على البحر الأحمر، وطريق التجارة العالمي.
وهل تعتقدين أن تقارير الأمم المتحدة تُعبّر بدقة عن الواقع، أم أنها تخضع لحسابات سياسية؟
بالتأكيد تخضع لحسابات سياسية، فكثيرًا ما نشعر أن مكتب المبعوث مفصول عن الواقع اليمني، أو يريد تنفيذ رؤية المجتمع الدولي دون التفات إلى احتياجات اليمنيين. غير أن هناك حملة في اليمن تطالب الأمم المتحدة بتوضيح حول أموال الدعم الدولي التي تصل إلى 2.6 مليار دولار لا نعرف أين ذهبت، في ظل وقوع 80% من الشعب اليمني، أي 30 مليون إنسان، يعانون الفقر والاحتياج. وتبقى الأسئلة مفتوحة حول هذه الأمور.